الخميس، 22 سبتمبر 2011

قرية زُكَيت

زُكَيت الفخر ...  زُكَيت قرية تراثية تقع في سلطنة عمان في المنطقة الداخلية وتحديدا في ولاية إزكي ، والكثير منا من يتساءل عن معنى كلمة زُكَيت ، وقد تكون تصغيرا لزكت ، وهو الملئ ، نقول زكت الإناء وزكته كلاهما ملأه ، وسقاه مزكوت أي مملوء ... وتعود سبب تسميتها كما يرويها الأهالي إلى أنها تصغيرا لاسم إزكي وتعتبر بنتاً لها.
 للقرية العديد من المعالم السياحية المختلفة الجاذبة للسياح ومن الأمثلة على تلك المعالم: (برج زكيت) الذي يقف شامخا وسط القرية وكذلك بها الحارة القديمة والتي تسمى بـ (الحجرة) حيث تجد فيها العديد من الآثار والمنازل القديمة ، والتي تعبر عن بساطة البناء قديما حيث أنها مختلفة في الأحجام والأشكال فقد بنيت من طين. أما في حدود البلدة من الجانب الغربي فإنك سترى تلك الصخرة الكبيرة التي تحتوي على فجوه في وسطها حيث كان الأجداد سابقاً يستعملونها في دق وطحن البهارات وخاصة قبل العيد ، وتنقسم هذه القرية الى عدة حارات منها حارة المرباخ وحارة البرج وحارة المال والحجرة.
ويوجد في غرب البلدة آثار مقابر قديمة جداً حيث أسفرت الدراسات الأثرية والتاريخية عن ثراء السلطنة بنشأة عدد من الحضارات الإنسانية التي تمازجت بثقافاتها المختلفة لا سيما حضارات الألف الثالث قبل الميلاد ، ولعل مقابر زكيت الأثرية من أبرز الشواهد التاريخية حيث تقع على سفح جبل يطل على القرية ، وهي عبارة عن معلم اثري أسطواني الشكل مبني من الحجارة الجبلية ويشبه خلايا النحل ، ويكون مسقوفاً من الأعلى مع وجود فتحة صغيرة من أمام كل معلم ، ومما يجدر بالإشارة إليه بأن تلك المقابر شبيهه تماماً بمقابر وادي العين وبات الأثرية وهذا دليل واضح بإمتداد مسار حضارات الألف الثالث قبل الميلاد.
وفي ما يلي نبذة عن المعالم والآثار الموجودة في القرية وموثقة بالصور:
أفلاجُ زُكَيت:
يعتبر المصدر المائي الأول للقرية ، ويجري الفلج في مجرى صنعه الأجداد في باطن الأرض على امتداد أكثر من كيلوا متر واحد ، وهو يسقي محاصيل زراعية شتوية وصيفية منوعة وهناك فلجين رئيسين أحدهما يسمى الحرف والآخر يسمى الحديث.



الحصاة البيضاء:
في سيح القرية يوجد هناك تلك الصخرة الكبيرة المسماه بـالحصاة البيضاء ، حيث تحتوي على فجوة في وسطها وكان الأجداد يستعملونها في دق البهارات وفي طحن القمح.


النفق السري:
o           موقعه بجانب الحصاة البيضاء.
o            يمتد على مسافة أكثر من 4 كيلومتر.
o            يصل إلى مصنع للنحاس قديما.

مقابر زُكَيت الأثرية
o           عبارة عن معلم أثري أسطواني الشكل مبني من الحجارة الجبلية ويشبه خلايا النحل.
o            العثور على جرة فخارية مستوردة من بلاد الرافدين.
o            هذه المقابر شبيهة تماما بمقابر وادي العين وبات الأثرية.
o            تنتمي إلى فترة جمدة نصر التي يرجع تاريخها إلى (3000 – 2700 ق.م. ).




المباني الأثرية:
تحتوي قرية زُكَيت على العديد من المباني الأثرية والأبراج القديمة التي بُنيت من طين ، وما زالت هذه الآثار على حالها وتحتفظ ببنيتها ولمساتها المعمارية.



الاثنين، 5 سبتمبر 2011

النزول الأبيض


النزول الأبيض


المياه البيضاء أو الساد هي عتامة تصيب عدسة العين الطبيعية تؤدى إلى انخفاض في حدة الإبصار و عدم  وضوح في الرؤية حسب قدر هذه العتامة، وقد تصل إذا زادت إلى عدم القدرة على تمييز الأشياء بالمرة، ورغم ذلك  ففى معظم الحالات فإن الإبصار يسترد بالكامل بعد إزالة المياه البيضاء جراحيا وزرع عدسة شفافة مكانها، خصوصا إذا لم يكن بالعين مرض آخر يعيق الرؤية.

النزول الأبيض (الساد).


الساد هي كلمة مستمدة من اللاتينية وتعني "الشلال"، حيث أن المياه الساقطة من على ارتفاع ولو بسيط يكون لونها أبيض نتيجة اصطدامها بالقاع ، وفي وقت لاحق على المدى استخدمت مجازا لوصف مظهر مماثل من عتامة العين لمرض النزول الأبيض "الساد".

ويحدث الساد عادة مع المسنين، ويتميز بها التعتيم الأولي في العدسة ، بعد تورم العدسة والانكماش النهائي مع فقدان كامل للشفافية، وعلاوة على ذلك فمع مرور الزمن ستسيل قشرة الساد على شكل سائل أبيض حليبي ويسمى بالنزول الأبيض أو ساد مورغاني، والذي يمكن أن يسبب التهاب شديد إذا تمزقت كبسولة العدسة مع حدوث تسريبات،

وإذا ما عولجت في الوقت المناسب فإنها ستسبب إعتام نهائي لعدسة العين مما سيحدث العمى للمصاب. وحتى هذه اللحظة من عام 2010 فلا يوجد أي وسيلة لإزالتها إلا جراحيا، ولكن الجديد والمتطور خلال السنوات الأخيرة فيمكن إزالة المياه البيضاء من خلال فتحة قد تصل إلى ملليمتر واحد أو الميكرو فاكو - مقارنة بجرح قدره 12 مم في أوائل الثمانينيات- بواسطة الموجات فوق الصوتية بواسطة تخدير موضعي بسيط، مع زرع عدسات لينة قابلة للفرد داخل العين، وهناك العديد من المراكز المتطورة في العالم تقوم بإجراء ذلك بأفضل التقنيات العالمية.


انتشار المرض في العالم.

مرض النزول الأبيض هو المسئول عن 48 ٪ من حالات العمى العالم، وهو ما يمثل حوالي 18 مليون نسمة، وفقا لمنظمة الصحة العالمية).  في كثير من البلدان لا تتوفر لديهم الخدمات الجراحية، وإعتام عدسة العين ما زالت السبب الرئيسي للعمى.

كما تعتبر الزيادة في الأشعة فوق البنفسجية الناتجة عن استنفاذ لطبقة الأوزون من الأسباب التي تزيد من حالات إعتام عدسة العين، ويعتبر أيضا السن المتقدم للسكان سبب في حدوث هذا المرض، فإن عدد الأشخاص الذين يعانون من الساد آخذ في الازدياد، وإعتام عدسة العين هي أيضا أحد أهم أسباب ضعف البصر في كل من البلدان المتقدمة والبلدان النامية، ففي الولايات المتحدة مثلا تم الإبلاغ عن هذا المرض في الذين تتراوح أعمارهم بين 52 حتى 64 بنسبة 42%، و60 ٪ من الذين تتراوح أعمارهم بين 65 و 74، و 91 ٪ من الذين تتراوح أعمارهم بين 75 و 85.

ونلاحظ أن في البلدان النامية تكثر فيها نسبة المصابين بهذا المرض وقد يكون ذلك نتيجة جهلهم بماهية المرض وعدم علاجه، فالكثير منهم يصابوا بمرض الساد ويظنوه أن العمى أصابهم مع أنه مرض يمكن علاجه ببساطة، وفيما يلي توضيح لعدد المصابين لكل 100.000 نسمة:


علامات وأعراض النزول الأبيض

قد يكون مرض النزول الأبيض "الساد" غامضا وخطيرا في نفس الوقت، فالمريض تظهر عليه بعض العلامات والأعراض عند بداية ظهور المرض، فمثلا قد يرى الألوان أقل حيوية وكذلك يرى وهج خفيف كما لو أن غيوم خفيفة أمامه، كما أن العين تكون مائلة إلى الحمرة طول الوقت.

كما أن مرضى السكري معرضون لهذا المرض فإذا لوحظ وهج أو "هالو" حول أضواء الشوارع ليلا؛ فإنه دليل على بداية مرض النزول الأبيض وعليه يحتاج لزيارة الطبيب المختص بالعيون.


الأسباب


يحدث الساد نتيجة مجموعة متنوعة من الأسباب، بما في ذلك التعرض لفترة طويلة للأشعة فوق البنفسجية، وكذلك يصيب الأشخاص المعرضين لإشعاع الأشعة تحت الحمراء، كما أن أشعة الميكروويف تسبب مرض الساد كذلك والتعرض للإشعاع.

كما يوجد هناك آثار ثانوية مسببة لهذا المرض كالسكري وارتفاع ضغط الدم وتقدم السن، أو الصدمة، وقد يكون نقص اليود في الجسم سببا لحدوث هذا المرض كذلك.

عادة ما تحدث نتيجة لتمسخ البروتين في العدسة، وهناك أنواع مختلفة لهذا المرض قد يكون جزئي أو كاملي، وقد يكون خلفي أو أمامي، كما أن العوامل الجينية لها دور بارز في حدوث هذا المرض في سن مبكرة، ويمكن أن يحدث هذا المرض نتيجة إصابات متنوعة للعين أو الصدمات النفسية والجسدية.

وأظهرت دراسة أن الطيارين معرضون للإصابة بهذا المرض أكثر بثلاث مرات عن الوظائف الأخرى غير الطيران، ويعتقد بأن يكون هذا ناجما عن التعرض المفرط للأشعة القادمة من الفضاء الخارجي.


تشخيص المرض


يمكن تشخيص المرض عن طريق القيام بإجراء فحص شامل للعين؛ فالطبيب المختص بالعيون بإمكانه تشخيص المرض ورصد تطوره، والفحص الشامل للعين عادة يتضمن عدة إختبارت وهي كالتالي:-

أ‌.   اختبار حدة البصر. في هذا الاختبار يطلب الطبيب من المريض بقراءة حروف أو جمل على مسافات مختلفة ليعرف مدى حدة الإبصار لدى المريض.

ب‌. اختبار تمدد البؤبؤ. في هذا الاختبار، يقوم الطبيب بفحص توسع البؤبؤ مع إضافة قطرات في العين لتسمح للطبيب بمعرفة المزيد عن حالة العدسة والشبكية في العين وكذلك لمعرفة مشاكل أخرى إن وجدت.

ج‌.   اختبارات أخرى للعين. كاختبار وهج العين، واختبار حساسية التباين.


كيف يمكن علاج النزول الأبيض


لا يوجد علاج لمرض النزول الأبيض "الساد" إلا بالعملية الجراحية، وتشمل التدابير الوقائية بارتداء نظارات وقائية للحماية من الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس. لا توجد أدوية، أو مكملات غذائية، أو تمارين، أو أجهزة بصرية لعلاج إعتام عدسة العين. أما إذا كانت أعراض المرض خفيفة؛ فإن النظارات الطبية قد تكون كافية للعمل بشكل أكثر راحة.

أما الجراحة فهي الطريقة الوحيدة التي يمكن إزالة إعتام عدسة العين وعلاجها، وهذا العلاج تتضمن إزالة العدسة المصابة بالمرض والاستعاضة عنها بعدسة بديلة. وهناك طريقتين لإزالة المياه البيضاء من العين:

أ‌.       استحلاب العدسة ، أو الفاكو. وفي هذا الأسلوب يقوم الطبيب بعمل شق صغير على جانب القرنية، ثم يقوم الطبيب بإدخال مسبار صغير في العين، ويقوم ذلك المسبار بإصدار موجات فوق الصوتية التي تخفف من وتفتيت مركز عتامة عدسة العين، ومعظم الجراحات اليوم لهذا المرض تتم بواسطة هذه الطريقة ويتم ذلك باستخدام التخدير الموضعي

ب‌.  جراحة خارج المحفظة. يتم عمل شق على جانب القرنية لإزالة المركز الثابت للعدسة، ثم تتم إزالة ما تبقى من عدسة عن طريق الشفط، والاستعاضة عن عدسة العين بعدسة أخرى صناعية، وهذه العملية تستغرق عادة ساعة واحدة وهي غير مؤلمة تقريبا.


هل يمكن عودة النزول الأبيض


لا يمكن عودة الساد عادة بسبب أنه تمت إزالة كل أو جزء من العدسة، ومع ذلك في بعض الناس الذين خضعوا لجراحة استحلاب العدسة أو خارج المحفظة عادت إليهم الرؤية بشكل غائم، ولتصحيح هذا يمكن إجراء عملية ليزرية (إن دي) ويعمل شعاع الليزر بعمل ثقب صغير في الكبسولة للسماح بمرور الضوء بشكل أوسع، وهذه العملية غير مؤلمة ولا تتطلب البقاء في المستشفى.  

الخلاصة

إن مرض النزول الأبيض من الأمراض المنتشرة في العالم فأكثر من 18 مليون نسمة يعانون من هذا المرض، والكثير من المصابين يجهلون عن ماهية هذا المرض فلا يراجعون الطبيب المختص، وبالتالي يزداد الأمر سوءا حتى يصابوا بالعمى بينما كان من الممكن علاجه ببساطة ولا يستغرق إلا دقائق لعلاج هذا المرض.

وكما يقال الوقاية خير من العلاج، فيجب عمل فحوصات سنوية للعين لضمان تجنب مثل هذه الأمراض وخاصة لكبار السن، فهم أكثر الناس عرضة وقابلية لهذه الأمراض.

التوصيات

في ختام هذا التقرير أود أن أوصي ببعض التوصيات التي أأمل أن تفيد الفرد والمجتمع وهي كالتالي:

أ‌.       القيام بفحص دوري للعين لجميع فئات العمر فقد يكون هذا الفحص سببا للوقاية من النزول الأبيض.

ب‌. قيام المؤسسات الطبية بعمل توعية مكثفة في المستشفيات للمراجعين عن ماهية المرض والأضرار الناجمة عنه في حالة الاستهانة والتهاون.

ج‌. يوجد الكثير من المفاهيم الخاطئة عن طرق العلاج كوجود دواء لعلاج هذا المرض او استخدام الليزر في علاج المرض بدون جراحة وكلها مفاهيم خاطئة تحتاج لتوعية المجتمع عنها، فيمكن نشر منشورات في المؤسسات التعليمية عن هذه المفاهيم وعن المرض بشكل عام.

د‌.      الهمة والشجاعة تعتبر من الأشياء المطلوبة للقيام بفحوصات بشكل دوري وكذلك العلاج بالشكل المطلوب فأتمنى أن يتحلى الجميع بهذه الصفات وأن لا يخجل أو يشعر بخوف من هذه الفحوصات فهي مهمة جدا للصحة.

السبت، 6 أغسطس 2011

لغات العالم .. ستنقرض


لغات العالم ... آيلة للانقراض!

البشر يتحدثون6700 لغة منها 3000 مهددة بالاختفاء !

في 21 فبراير من كل عام يحتفل العالم بيوم اللغة الأم، ولا شك أن اللغة تستحق الاحتفال بها، بل إن الإنسانية تأخرت في التنبه إلى ضرورة هذه الاحتفالات، فاللغة هي وعاء الفكر ونتاجه، هي سحر الروح ونور العقل، وهي ذاكرة الإنسان منذ كان وهي مرآة وجوده، وهي مداد أساطيره وسجل علومه ومخترعاته وإبداعه. يقول الروائي الكولومبي الكبير "غاربيل غارسيا ماركيز" : ( عندما نجلس للسمر، فإن عناقيد من الكلمات تلتف حول المصابيح التي تضيء ليالي قرانا).

ولا بد من إقامة محميات للغات؛ للحفاظ على ما هو مهدد منها بالانقراض – ترجع جميعها إلى تقليد أصوات الطبيعة – التي أصلها مشترك  بالأصوات التي تدل عليها أبجديات اللغات المختلفة؛ مهما اختلفت مسميات الحروف، أما الأصوات القليلة التي لا يمكن اعتبارها فإن أصواتها مشتركة بين اللغات، فيمكن إرجاع غياب إحداها عن هذه اللغة أو تلك إلى أثر البيئة، وعلى كل حال فإن كثير من الأصوات التي تغيب عن لغة ما في نطقها الفصيح أو الرسمي، أو ما يسمى بلغة الدول تعوض هذا الغياب بالظهور في اللهجات المختلفة للغة نفسها، أو في " لثعات" الناطقين بها!




أصل اللغات

قال "ابن جني" عن اللغات :" أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعة كدويّ الريح، وحنين الرعد، وخرير الماء، وشحيج البغل، ونهيق الحمار، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونزيب الظبي، ثم تولدت اللغات في ما ذلك من بعد وهذا عندي وجهه صالح ومذهب متقبل".

إن صعوبة تصور عمليات النحت والتراكم المتتالية التي أدت إلى تكوّن اللغة التي جعلت الإنسان، منذ أقدم العصور، يلجأ إلى "الأسطورة" لتفسير كل ما يتعلق باللغة عبر مختلف مراحلها: من الشفافية إلى الكتابية، ومن المقاطع والألفاظ إلى الحروف والأبجديات.

وكل عام تحتفل منظمة "اليونسكو" في الحادي والعشرين من فبراير باليوم العالمي للغة الأم. وهو تقليد بدأته المنظمة الدولية عملاً بموقفها الداعي إلى الدفاع عن التنوّع اللغوي. ومنذ ثلاث سنوات، شهد الاحتفال تقديم الطبعة الثانية من "أطلس اللغات المهددة في العالم"، الذي يتيح تحديد المواقع الساخنة التي يكون فيها التنوع الثقافي، واللغوي في حالة الخطر.

لغات سائدة وأخرى مهددة

حسب المعلومات الواردة في أطلس اللغات فإن هناك اليوم أكثر من ثلاثة آلاف لغة مهددة بالخطر، بمستويات مختلفة ، أي ما يعادل نصف لغات كوكبنا، منها خمسون لغة مهددة في القارة الأوروبية، بعضها في عداد اللغات المختصرة كما هو الحال في شمالي روسيا والبلدان الاسكندينافية. وفي فرنسا وحدها هنالك 14 لغة تعيش مرحلة الخطر الحقيقي، أما في سيبيريا فإن كل اللغات المحلية، وعددها يقارب الأربعين، هي في طريقها إلى الانقراض.

و في آسيا لا يزال الوضع غامضا في عدد من مناطق الصين. أما في شبة القارة الهندية، المعروفة بثرائها اللغوي، فقد حافظت معظم اللغات على حيويتها بفضل التنوع الثقافي. مع هذا فإن هناك عدداً محدوداً من اللغات الآيلة إلى الانقراض في الهمالايا وجبال بأمير في آسيا الوسطى وأفغانستان.

وفي منطقة المحيط الهادي التي تمتد من اليابان إلى أستراليا، يتركز ثلث لغات العالم، أغلبها ما زالت حية ونشطة. بيد أن أفريقيا هي القارة المجهولة في المجال السوداء تعمل على تعزيز هيمنة اللغات "السائدة" مثل المرحلة الاستعمارية. ويقدر الأطلس أن هنالك نحو 250 لغة مهددة بالانقراض في أفريقيا، و 500 لغة في مرحلة تقهقر من أصل 1400 لغة محلية. وفي أمريكا الشمالية تمكنت لغات قليلة من الصمود أمام زحف الانجليزية والفرنسية، على أن كندا تعمل طويلا على تشجيع سياسة الحفاظ على اللغات القديمة.

ومن أصل 104 لغة هندية – أمريكية، هناك 19 لغة في حالة احتضار و28 لغة مهددة. ولا تزال في الولايات المتحدة 150 لغة هندية قديمة في حالة تشبه الموت على الرغم من أن سياسة تهميش هذه اللغات أخذت تتراجع في السبعينات من القرن الماضي قبل أن تعاود هيمنتها خلال الثمانينيات مع سياسة "الانجليزية فقط"، وتؤكد تجارب العلماء أنه بالإمكان إنقاص اللغات المهددة؛ أو التي في طريقها إلى الانقراض، أو حتى الميتة، عبر اعتماد السياسة الايجابية، كما حصل في اليابان وانجلترا، لقد كان عدد ناطقين لغة "الاينو" في جزيرة هوكايدو اليابانية 8 أشخاص فقط في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي لكن هذه اللغة بدأت تنتعش بعد سنوات من الأقصى والتجاهل وجرى افتتاح متحف للغة "الاينو" حيث يقدم دروس للشبان والشابات المقبلين على تعلمها، وفي انجلترا انقرضت لغة "كورنيك" منذ عام 1777م وتم إحيائها في السنوات الماضية وهناك ألف ناطق بها كلغة ثانية.



اللغات تولد وتموت

كل لغة تحتضر سبق وأن مرت بمرحلة شباب، فلغة "الإياك" يمكن تتبع نشأنها وتحولها إلى لغة قومية قديمة كانت متمركزة حول نهري يوكون وأتانانا في أمريكا الشمالية. وقبل ثلاثة آلاف عام؛ انفصلت جماعة صغيرة عن القبيلة الكبرى وهي العملية التي أدت أيضاً إلى بروز لغات مثل النافاهو، والأياتشي والأتاباسكان. وتفيد أسطورة من أساطير الإياك أن جماعة من الجماعات ارتحلت عبر النهر في قوارب مصنوعة من جذوع الشجر، وحلت بأرض وفيرة الخيرات. ويعتقد علماء الإنسانيات واللغويات أن جماعة الإياك عاشت لقرون عديدة في عزلة تامة، وربما كانت مقطوعة الصلة بالشعوب الأخرى وذلك بفعل جبال جليدية عملاقة. وبحلول منتصف القرن التاسع عشر كان عدد المنحدرين من هذه الجماعات الشجاعة لا يتجاوز بضع مئات من الأشخاص وكانوا يتحدثون لغة خاصة بهم. وقد عاشوا بالقرب من كرد وفا الحالية على خليج الأسكا. ويحتفظ أبناء الإياك بأساطيرهم وأغانيهم التي تحتوي على مبادئهم الأخلاقية الخاصة.

والآن توشك لغة الإياك على الاندثار، ولتوخي الدقة، فإن هذه اللغة ستموت على الأرجح في بناية سكنية في انك وراج بولاية الأسكا. وبالتحديد في الشقة رقم واحد حيث تعيش امرأة من جماعة الإياك تبلغ من العمر 81 عاما وتدعي ماري سميث جونز وهي ذات شعر أشيب وتعاني صعوبات في السمع، ومنذ وفاة أختها صوفيا في عام 1993م؛ أصبحت آخر المتحدثين بلغة الإياك الباقين على قيد الحياة وبين الفينة والأخرى تتلقى جونز زيارة من مايكل كرواس، وهو عالم لغات تعلم الإياك لأسباب أكاديمية ولكنها في أغلب الأحيان تقوم باستذكار كلمات الإياك في رأسها وأحيانا بصوت عالٍ. وتقول:(أريد فقط أن أسمع كيف سيتردد صداها).

وتعد جونز واحد من عدد متزايد من أشخاص يعيشون هذا الموقف ذاته. ووفقا للإحصائيات الواردة في(إثنولوج) وهو دليل للغات العالم، فإن ما يقدر بـ 52 لغة لم يبقى من المتحدثين منها سوى شخص واحد – يا للشفقة فهم يكلمون أنفسهم – وهناك426 لغة مندثرة تقريبا، وهو ما يعني أن حفنة فقط من المتحدثين منها من كبار السن لا يزالون على قيد الحياة. ويتوقع أحد العلماء البارزين أن توقف نصف اللغات في العالم التي يبلغ عددها 6700 عن التردد على الألسنة بحلول نهاية هذا القرن، وأن مابين 80-90% منها لن يعود لها وجود في غضون الـ200 عام المقبلة !.

تدمير لا مثيل له

عندما تموت لغة ما فإن معلومات قيمة عن النباتات والحيوانات المحلية تموت معها. لقد ظهرت واندثرت الكثير من اللغات منذ الأيام الأولى للتاريخ البشري، لكن طريقة التدمير الحاصلة اليوم لم يسبق لها مثيل. وعملية التدمير هذه تحدث كلما قامت مجتمعات متطورة تقنيا بالسيطرة على جماعات أقل تطوراً وقوة، وقد ساعد المستعمرون الأستراليون على إبادة أكثر من 150 لغة محلية خلال الـ225 عاماً الماضية، وهناك أكثر من 100 لغة أخرى على حافة الاندثار. وفي أمريكا الجنوبية سحق الأسبان والبرتغاليون عشرات من اللغات الهندية المحلية، وساعد المهاجرون الأوائل في القضاء على نحو 300 لغة محلية في أمريكا الشمالية.

ومن بين اللغات المائة التي كانت محكية في ما يعرف الآن بكاليفورنيا لم يبق سوى النصف، معظمها لا يتحدث بها إلا عدد قليل من كبار السن في القبائل المختلفة. تساعد العولمة على الأرجح على زيادة هذا التدمير، واللغة الإنجليزية أصبحت وبسرعة كبيرة اللغة التي لا غنى عنها بالنسبة للأشخاص الناجحين من دول وثقافات مختلفة، وهذا يعود إلى إحدى الجوانب وهو أن عدداً غير متجانس من أغنياء العالم يتحدثون الإنجليزية، ولأنها لغة الثورة التقنية، فحتى قبل ظهور الإنترنت، ساعدت الهواتف والتلفزيون والنقل الجوي والابتكارات الأخرى لغات الثقافات والاقتصاديات المهيمنة على الانتشار.

ضغوط اقتصادية وسياسية

الزيادة المضطردة في عدد اللغات المهددة بالانقراض تعود بالقدر الأكبر إلى الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها مجتمعات الأقليات، ما يستبعد التزام الأجيال الجديدة باللغة التقليدية، يذكر إن الخبراء يعتبرون لغة ما "مهددة بالانقراض" بشكل عام عندما يتعلمها 30% من الأطفال، وفي ظروف معينه ربما كان من العسير الوقوف في وجه اندفاع لغة جديدة، مثلا حينما يتم اتصال مجتمع ما مع ثقافة مجتمع أقوى اقتصادياً، أو عندما تتعرض مصادر الطبيعة للاستغلال من قبل أجانب. إلا أن اللغات القديمة لديها فرص متناهية في البقاء إذا شددت السلطات على استخدامها في المدارس والمصالح الحكومية ووسائل الإعلام.

إن ضياع اللغة يعني فقدان المعرفة المتوارثة وقد يذهب معها أيضاً جزء كبير من كرامة وهوية مجتمع المتحدثين السابقين بها. وبموت لغة ما، يفقد اللغويون وعلماء الإنسانيات والمؤرخون وعلماء النفس مصدراً ثميناً للمعلومات، ويجدون أنفسهم يعودون خطوة للوراء في سبيل بحثهم عن صوت قادم من أعماق التاريخ.

وتؤكد الدراسات أن اختفاء أي لغة يعني انكماش، وتقلص الثورة الفكرية، والمعلومات التي يخزنها الإنسان ويعبر عنها عن طريق تلك اللغة. ومثلا على ذلك الأعشاب الطبية ، والتي لا يعرفها سوى المتطلعين على الثقافات التقليدية، وعندما تختفي لغاتهم وثقافاتهم ، ستختفي المعلومات عن هذه الأعشاب وخصائصها العلاجية.

ويشار إلى أن أسوأ سجلات اختفاء اللغات كان أبان المائة عام الماضية في الأمريكيتين وأستراليا، وأن هنالك نحو 50 لغة معرضة لخطر الاختفاء في أوروبا، كما أن وضع لغات الأقليات في آسيا غير واضح في العديد من الأجزاء بالصين، وفي أفريقيا تتلاشى بين500 و600 لغة محلية بينها 250 لغة معرضة لخطر فوري .

إن هذا التهديد الكبير على اللغات يجب أخذه في عين الاعتبار، فنحن نعيش في مشكلة واقعية مؤثرة. فإذا تصورنا مدى خطورة هذا التهديد وكيف أن اللغة على وشك الانقراض لأمكننا من تحريك أنفسنا أولا على المحافظة عليها والتشديد على التحدث بها. كم من لغات طغت على لغات أخر واختفت لغات بسبب توقف الناس عن التحدث بها واتخاذ بعض اللغات كلغة أساسية لهم. إنه ليجب على كل مؤسسة تعليمية ابتداء من الأسرة وحتى المؤسسات التعليمية العالية التنبيه لخطورة اختفاء اللغات، والتشديد بالمحافظة على اللغة الأم، والتذكير بالمفردات التي أصبحت غير مذكورة في الوقت الراهن، ناهيكم عن الوسائل المختلفة التي تستطيع إيصال الرسالة إلى كل فرد في المجتمع؛ فإن ذلك كله يساعد على استدامة اللغة وعدم انقراضها.