لغات العالم ... آيلة للانقراض!
البشر يتحدثون6700 لغة منها 3000 مهددة بالاختفاء !
في 21 فبراير من كل عام يحتفل العالم بيوم اللغة الأم، ولا شك أن اللغة تستحق الاحتفال بها، بل إن الإنسانية تأخرت في التنبه إلى ضرورة هذه الاحتفالات، فاللغة هي وعاء الفكر ونتاجه، هي سحر الروح ونور العقل، وهي ذاكرة الإنسان منذ كان وهي مرآة وجوده، وهي مداد أساطيره وسجل علومه ومخترعاته وإبداعه. يقول الروائي الكولومبي الكبير "غاربيل غارسيا ماركيز" : ( عندما نجلس للسمر، فإن عناقيد من الكلمات تلتف حول المصابيح التي تضيء ليالي قرانا).
ولا بد من إقامة محميات للغات؛ للحفاظ على ما هو مهدد منها بالانقراض – ترجع جميعها إلى تقليد أصوات الطبيعة – التي أصلها مشترك بالأصوات التي تدل عليها أبجديات اللغات المختلفة؛ مهما اختلفت مسميات الحروف، أما الأصوات القليلة التي لا يمكن اعتبارها فإن أصواتها مشتركة بين اللغات، فيمكن إرجاع غياب إحداها عن هذه اللغة أو تلك إلى أثر البيئة، وعلى كل حال فإن كثير من الأصوات التي تغيب عن لغة ما في نطقها الفصيح أو الرسمي، أو ما يسمى بلغة الدول تعوض هذا الغياب بالظهور في اللهجات المختلفة للغة نفسها، أو في " لثعات" الناطقين بها!
أصل اللغات
قال "ابن جني" عن اللغات :" أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعة كدويّ الريح، وحنين الرعد، وخرير الماء، وشحيج البغل، ونهيق الحمار، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونزيب الظبي، ثم تولدت اللغات في ما ذلك من بعد وهذا عندي وجهه صالح ومذهب متقبل".
إن صعوبة تصور عمليات النحت والتراكم المتتالية التي أدت إلى تكوّن اللغة التي جعلت الإنسان، منذ أقدم العصور، يلجأ إلى "الأسطورة" لتفسير كل ما يتعلق باللغة عبر مختلف مراحلها: من الشفافية إلى الكتابية، ومن المقاطع والألفاظ إلى الحروف والأبجديات.
وكل عام تحتفل منظمة "اليونسكو" في الحادي والعشرين من فبراير باليوم العالمي للغة الأم. وهو تقليد بدأته المنظمة الدولية عملاً بموقفها الداعي إلى الدفاع عن التنوّع اللغوي. ومنذ ثلاث سنوات، شهد الاحتفال تقديم الطبعة الثانية من "أطلس اللغات المهددة في العالم"، الذي يتيح تحديد المواقع الساخنة التي يكون فيها التنوع الثقافي، واللغوي في حالة الخطر.
لغات سائدة وأخرى مهددة
حسب المعلومات الواردة في أطلس اللغات فإن هناك اليوم أكثر من ثلاثة آلاف لغة مهددة بالخطر، بمستويات مختلفة ، أي ما يعادل نصف لغات كوكبنا، منها خمسون لغة مهددة في القارة الأوروبية، بعضها في عداد اللغات المختصرة كما هو الحال في شمالي روسيا والبلدان الاسكندينافية. وفي فرنسا وحدها هنالك 14 لغة تعيش مرحلة الخطر الحقيقي، أما في سيبيريا فإن كل اللغات المحلية، وعددها يقارب الأربعين، هي في طريقها إلى الانقراض.
و في آسيا لا يزال الوضع غامضا في عدد من مناطق الصين. أما في شبة القارة الهندية، المعروفة بثرائها اللغوي، فقد حافظت معظم اللغات على حيويتها بفضل التنوع الثقافي. مع هذا فإن هناك عدداً محدوداً من اللغات الآيلة إلى الانقراض في الهمالايا وجبال بأمير في آسيا الوسطى وأفغانستان.
وفي منطقة المحيط الهادي التي تمتد من اليابان إلى أستراليا، يتركز ثلث لغات العالم، أغلبها ما زالت حية ونشطة. بيد أن أفريقيا هي القارة المجهولة في المجال السوداء تعمل على تعزيز هيمنة اللغات "السائدة" مثل المرحلة الاستعمارية. ويقدر الأطلس أن هنالك نحو 250 لغة مهددة بالانقراض في أفريقيا، و 500 لغة في مرحلة تقهقر من أصل 1400 لغة محلية. وفي أمريكا الشمالية تمكنت لغات قليلة من الصمود أمام زحف الانجليزية والفرنسية، على أن كندا تعمل طويلا على تشجيع سياسة الحفاظ على اللغات القديمة.
ومن أصل 104 لغة هندية – أمريكية، هناك 19 لغة في حالة احتضار و28 لغة مهددة. ولا تزال في الولايات المتحدة 150 لغة هندية قديمة في حالة تشبه الموت على الرغم من أن سياسة تهميش هذه اللغات أخذت تتراجع في السبعينات من القرن الماضي قبل أن تعاود هيمنتها خلال الثمانينيات مع سياسة "الانجليزية فقط"، وتؤكد تجارب العلماء أنه بالإمكان إنقاص اللغات المهددة؛ أو التي في طريقها إلى الانقراض، أو حتى الميتة، عبر اعتماد السياسة الايجابية، كما حصل في اليابان وانجلترا، لقد كان عدد ناطقين لغة "الاينو" في جزيرة هوكايدو اليابانية 8 أشخاص فقط في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي لكن هذه اللغة بدأت تنتعش بعد سنوات من الأقصى والتجاهل وجرى افتتاح متحف للغة "الاينو" حيث يقدم دروس للشبان والشابات المقبلين على تعلمها، وفي انجلترا انقرضت لغة "كورنيك" منذ عام 1777م وتم إحيائها في السنوات الماضية وهناك ألف ناطق بها كلغة ثانية.
اللغات تولد وتموت
كل لغة تحتضر سبق وأن مرت بمرحلة شباب، فلغة "الإياك" يمكن تتبع نشأنها وتحولها إلى لغة قومية قديمة كانت متمركزة حول نهري يوكون وأتانانا في أمريكا الشمالية. وقبل ثلاثة آلاف عام؛ انفصلت جماعة صغيرة عن القبيلة الكبرى وهي العملية التي أدت أيضاً إلى بروز لغات مثل النافاهو، والأياتشي والأتاباسكان. وتفيد أسطورة من أساطير الإياك أن جماعة من الجماعات ارتحلت عبر النهر في قوارب مصنوعة من جذوع الشجر، وحلت بأرض وفيرة الخيرات. ويعتقد علماء الإنسانيات واللغويات أن جماعة الإياك عاشت لقرون عديدة في عزلة تامة، وربما كانت مقطوعة الصلة بالشعوب الأخرى وذلك بفعل جبال جليدية عملاقة. وبحلول منتصف القرن التاسع عشر كان عدد المنحدرين من هذه الجماعات الشجاعة لا يتجاوز بضع مئات من الأشخاص وكانوا يتحدثون لغة خاصة بهم. وقد عاشوا بالقرب من كرد وفا الحالية على خليج الأسكا. ويحتفظ أبناء الإياك بأساطيرهم وأغانيهم التي تحتوي على مبادئهم الأخلاقية الخاصة.
والآن توشك لغة الإياك على الاندثار، ولتوخي الدقة، فإن هذه اللغة ستموت على الأرجح في بناية سكنية في انك وراج بولاية الأسكا. وبالتحديد في الشقة رقم واحد حيث تعيش امرأة من جماعة الإياك تبلغ من العمر 81 عاما وتدعي ماري سميث جونز وهي ذات شعر أشيب وتعاني صعوبات في السمع، ومنذ وفاة أختها صوفيا في عام 1993م؛ أصبحت آخر المتحدثين بلغة الإياك الباقين على قيد الحياة وبين الفينة والأخرى تتلقى جونز زيارة من مايكل كرواس، وهو عالم لغات تعلم الإياك لأسباب أكاديمية ولكنها في أغلب الأحيان تقوم باستذكار كلمات الإياك في رأسها وأحيانا بصوت عالٍ. وتقول:(أريد فقط أن أسمع كيف سيتردد صداها).
وتعد جونز واحد من عدد متزايد من أشخاص يعيشون هذا الموقف ذاته. ووفقا للإحصائيات الواردة في(إثنولوج) وهو دليل للغات العالم، فإن ما يقدر بـ 52 لغة لم يبقى من المتحدثين منها سوى شخص واحد – يا للشفقة فهم يكلمون أنفسهم – وهناك426 لغة مندثرة تقريبا، وهو ما يعني أن حفنة فقط من المتحدثين منها من كبار السن لا يزالون على قيد الحياة. ويتوقع أحد العلماء البارزين أن توقف نصف اللغات في العالم التي يبلغ عددها 6700 عن التردد على الألسنة بحلول نهاية هذا القرن، وأن مابين 80-90% منها لن يعود لها وجود في غضون الـ200 عام المقبلة !.
تدمير لا مثيل له
عندما تموت لغة ما فإن معلومات قيمة عن النباتات والحيوانات المحلية تموت معها. لقد ظهرت واندثرت الكثير من اللغات منذ الأيام الأولى للتاريخ البشري، لكن طريقة التدمير الحاصلة اليوم لم يسبق لها مثيل. وعملية التدمير هذه تحدث كلما قامت مجتمعات متطورة تقنيا بالسيطرة على جماعات أقل تطوراً وقوة، وقد ساعد المستعمرون الأستراليون على إبادة أكثر من 150 لغة محلية خلال الـ225 عاماً الماضية، وهناك أكثر من 100 لغة أخرى على حافة الاندثار. وفي أمريكا الجنوبية سحق الأسبان والبرتغاليون عشرات من اللغات الهندية المحلية، وساعد المهاجرون الأوائل في القضاء على نحو 300 لغة محلية في أمريكا الشمالية.
ومن بين اللغات المائة التي كانت محكية في ما يعرف الآن بكاليفورنيا لم يبق سوى النصف، معظمها لا يتحدث بها إلا عدد قليل من كبار السن في القبائل المختلفة. تساعد العولمة على الأرجح على زيادة هذا التدمير، واللغة الإنجليزية أصبحت وبسرعة كبيرة اللغة التي لا غنى عنها بالنسبة للأشخاص الناجحين من دول وثقافات مختلفة، وهذا يعود إلى إحدى الجوانب وهو أن عدداً غير متجانس من أغنياء العالم يتحدثون الإنجليزية، ولأنها لغة الثورة التقنية، فحتى قبل ظهور الإنترنت، ساعدت الهواتف والتلفزيون والنقل الجوي والابتكارات الأخرى لغات الثقافات والاقتصاديات المهيمنة على الانتشار.
ضغوط اقتصادية وسياسية
الزيادة المضطردة في عدد اللغات المهددة بالانقراض تعود بالقدر الأكبر إلى الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها مجتمعات الأقليات، ما يستبعد التزام الأجيال الجديدة باللغة التقليدية، يذكر إن الخبراء يعتبرون لغة ما "مهددة بالانقراض" بشكل عام عندما يتعلمها 30% من الأطفال، وفي ظروف معينه ربما كان من العسير الوقوف في وجه اندفاع لغة جديدة، مثلا حينما يتم اتصال مجتمع ما مع ثقافة مجتمع أقوى اقتصادياً، أو عندما تتعرض مصادر الطبيعة للاستغلال من قبل أجانب. إلا أن اللغات القديمة لديها فرص متناهية في البقاء إذا شددت السلطات على استخدامها في المدارس والمصالح الحكومية ووسائل الإعلام.
إن ضياع اللغة يعني فقدان المعرفة المتوارثة وقد يذهب معها أيضاً جزء كبير من كرامة وهوية مجتمع المتحدثين السابقين بها. وبموت لغة ما، يفقد اللغويون وعلماء الإنسانيات والمؤرخون وعلماء النفس مصدراً ثميناً للمعلومات، ويجدون أنفسهم يعودون خطوة للوراء في سبيل بحثهم عن صوت قادم من أعماق التاريخ.
وتؤكد الدراسات أن اختفاء أي لغة يعني انكماش، وتقلص الثورة الفكرية، والمعلومات التي يخزنها الإنسان ويعبر عنها عن طريق تلك اللغة. ومثلا على ذلك الأعشاب الطبية ، والتي لا يعرفها سوى المتطلعين على الثقافات التقليدية، وعندما تختفي لغاتهم وثقافاتهم ، ستختفي المعلومات عن هذه الأعشاب وخصائصها العلاجية.
ويشار إلى أن أسوأ سجلات اختفاء اللغات كان أبان المائة عام الماضية في الأمريكيتين وأستراليا، وأن هنالك نحو 50 لغة معرضة لخطر الاختفاء في أوروبا، كما أن وضع لغات الأقليات في آسيا غير واضح في العديد من الأجزاء بالصين، وفي أفريقيا تتلاشى بين500 و600 لغة محلية بينها 250 لغة معرضة لخطر فوري .
إن هذا التهديد الكبير على اللغات يجب أخذه في عين الاعتبار، فنحن نعيش في مشكلة واقعية مؤثرة. فإذا تصورنا مدى خطورة هذا التهديد وكيف أن اللغة على وشك الانقراض لأمكننا من تحريك أنفسنا أولا على المحافظة عليها والتشديد على التحدث بها. كم من لغات طغت على لغات أخر واختفت لغات بسبب توقف الناس عن التحدث بها واتخاذ بعض اللغات كلغة أساسية لهم. إنه ليجب على كل مؤسسة تعليمية ابتداء من الأسرة وحتى المؤسسات التعليمية العالية التنبيه لخطورة اختفاء اللغات، والتشديد بالمحافظة على اللغة الأم، والتذكير بالمفردات التي أصبحت غير مذكورة في الوقت الراهن، ناهيكم عن الوسائل المختلفة التي تستطيع إيصال الرسالة إلى كل فرد في المجتمع؛ فإن ذلك كله يساعد على استدامة اللغة وعدم انقراضها.
3000 لغة مهددة بالإنقراض
ردحذفلغاتهم في خطر
لكن لغتنا العربية باقية إن شاء الله
آآآآآه لو عندي بعض من 6700 لغة
شكراً مازن على طرح هذا الموضوع
نسأل الله أن تدوم اللغة العربية للأبد ...
ردحذفشكرا على تعليقك ...
موفق أخي عزان
شكرا على هذا الأثراء...
ردحذفنسأل الله أن يديم لغتنا...
شكرا عبدالعزيز على مشاركتك ...
ردحذفموفق